فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قوله تعالى: {لَهُ أصحاب يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى ائتنا}.
قالوا: نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه كان يدعو أباه إلى الكفر وأبوه كان يدعوه إلى الإيمان ويأمره بأن يرجع من طريق الجهالة إلى الهداية ومن ظلمة الكفر إلى نور الإيمان.
وقيل: المراد أن لذلك الكافر الضال أصحابًا يدعونه إلى ذلك الضلال ويسمونه بأنه هو الهدى وهذا بعيد.
والقول الصحيح هو الأول.
ثم قال تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} يعني هو الهدى الكامل النافع الشريف كما إذا قلت علم زيد هو العلم وملك عمرو هو الملك كان معناه ما ذكرناه من تقرير أمر الكمال والشرف. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَهُ} أي للمستهوي {أصحاب} أرى رفقة {يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى} أي الطريق المستقيم أطلق عليه مبالغة على حد زيد عدل والجار الأول متعلق بمحذوف وقع خبرًا مقدمًا و{أصحاب} مبتدأ، والجملة إما في محل نصب على أنها صفة لحيران أو حال من الضمير فيه أو من الضمير في الظرف أو بدل من الحال التي قبلها.
وإما لا محل لها على أنها مستأنفة، وجملة {يَدْعُونَهُ} صفة لأصحاب.
وقوله سبحانه: {ائتنا} يقدر فيه قول على أنه بدل من {يَدْعُونَهُ} أو حال من فاعله.
وقيل: محكي بالدعاء لأنه بمعنى القول.
وهذا مبني على الخلاف بين البصريين والكوفيين في أمثال ذلك.
والمشهور التقدير أي يقول ائتنا.
وفيه إشارة إلى أنهم مهتدون ثابتون على الطريق المستقيم وأن من يدعونه ليس ممن يعرف الطريق ليدعى إلى إتيانه وإنما يدرك سمت الداعي ومورد النعيق.
وقرأ ابن مسعود كما رواه ابن جرير وابن الأنباري عن أبي إسحاق {بينًا} على أنه حال من الهدى أي واضحًا.
{قُلْ} لهؤلاء الكفار {إِنَّ هُدَى الله} الذي هدانا إليه وهو الإسلام {هُوَ الهدى} أي وحده كما يدل عليه تعريف الطرفين أو ضمير الفصل وما عداه ضلال محض وغي صرف.
وتكرير الأمر للاعتناء بشأن المأمور به أو لأن ما سبق للزجر عن الشرك وهذا حث على الإسلام وهو توطئة لما بعده فإن اختصاص الهدى بهداه تعالى مما يوجب امتثال الأوامر بعده. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {له أصحاب} حال ثانية، أي له رفقة معه حين أصابه استهواء الجنّ.
فجملة {يدعونه} صفة ل {أصحاب}.
والدعاء: القول الدالّ على طلب عمل من المخاطب.
والهدى: ضدّ الضلال.
أي يدعونه إلى ما فيه هدَاه.
وإيثارُ لفظ {الهُدى} هنا لما فيه من المناسبة للحالة المشبَّهة.
ففي هذا اللفظ تجريد للتمثيلية كقوله تعالى: {فلمّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} في سورة [البقرة: 17].
ولذلك كان لتعقيبه بقوله: {قل إنّ هدى الله هو الهدى} وقع بديع.
وجوّز في الكشاف أن يكون الهدى مستعارًا للطريق المستقيم.
وجملة: {ائتنا} بيان ل {يدعونه إلى الهدى} لأنّ الدعاء فيه معنى القول.
فصحّ أن يبيّن بما يقولونه إذا دعَوه، ولكونها بيانًا فُصلت عن التي قبلها، وإنَّما احتاج إلى بيان الدعاء إلى الهدى لتمكِين التمثيل من ذهن السامع، لأنّ المجنون لا يخاطب بصريح المقصد فلا يدعى إلى الهدى بما يَفهم منه أنَّه ضالّ لأنّ من خُلق المجانين العناد والمكابرة، فلذلك يدعونه بما يفهم منه رغبتُهم في صحبته ومحبتُهم إيَّاه، فيقولون: ايتنا، حتَّى إذا تمكَّنوا منه أوثقوه وعادوا به إلى بيته.
وقد شبّهت بهذا التمثيل العجيب حالة من فُرض ارتدادُه إلى ضلالة الشرك بعد هدى الإسلام لدعوة المشركين إيَّاه وتركه أصحابه المسلمين الذين يصدّونه عنه، بحَال الذي فسد عقله باستهواء من الشياطين والجنّ، فتاه في الأرض بعد أن كان عاقلًا عارفًا بمسالكها، وترك رفقته العقلاء يدعونه إلى موافقتهم، وهذا التركيب البديع صالح للتفكيك بأن يشبّه كل جزء من أجزاء الهيئة المشبّهة بجزء من أجزاء الهيئة المشبّهة بها، بأن يشبه الارتداد بعد الإيمان بذهاب عقل المجنون، ويشبّه الكفر بالهُيام في الأرض، ويشبّه المشركون الذين دعَوْهم إلى الارتداد بالشياطين وتُشَبّه دعوة الله الناس للإيمان ونزولُ الملائكة بوحيه بالأصحاب الذين يدعون إلى الهدى.
وعلى هذا التفسير يكون {الذي} صادقًا على غير معيّن، فهو بمنزلة المعرّف بلام الجنس.
وروي عن ابن عباس أنّ الآية نزلت في عبد الرحمان بن أبي بكر الصدّيق حين كان كافرًا وكان أبوه وأمّه يدعوانه إلى الإسلام فيأبى، وقد أسلم في صلح الحديبية وحسن إسلامه.
جملة: {قل إنّ هدى الله هو الهدى} مستأنفة استئنافَ تكرير لِما أمِر أن يقوله للمشركين حين يدعون المسلمين إلى الرجوع إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وقد روي أنَّهم قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم اعْبُد آلهتنا زمنًا ونعبُدُ إلهك زمنًا.
وكانوا في خلال ذلك يزعمون أنّ دينهم هدى فلذلك خوطبوا بصيغة القصر.
وهي {إنّ هدى الله هو الهدى} فجيء بتعريف الجزأيْن، وضمير الفصل، وحرف التوكيد، فاجتمع في الجملة أربعة مؤكّدات، لأنّ القصر بمنزلة مؤكِّدَيْن إذ ليس القصر إلاّ تأكيدًا على تأكيد، وضمير الفصل تأكيد، و(إنّ) تأكيد، فكانت مقتضَى حال المشركين المنكرين أنّ الإسلام هدى.
وتعريف المسند إليه بالإضافة للدلالة على الهدى الوارد من عند الله تعالى، وهو الدين المُوصى به، وهو هنا الإسلام، بقرينة قوله: {بعد إذْ هدانا الله}.
وقد وصف الإسلام بأنَّه {هُدى الله} في قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتَّى تتّبع ملَّتهم قل إنّ هدى الله هو الهدى} في سورة [البقرة: 120]، أي القرآن هو الهدى لا كُتُبُهم.
وتعريف المسند بلام الجنس للدلالة على قصر جنس الهدى على دين الإسلام، كما هو الغالب في تعريف المسند بلام الجنس، وهو قصر إضافي لأنّ السياق لردّ دعوة المشركين إيَّاهم الرجوع إلى دينهم المتضمِّنة اعتقادهم أنَّه هدى، فالقصر للقلب إذ ليسوا على شيء من الهدى، فلا يكون قصر الهدى على هدى القرآن بمعنى الهدى الكامل، بخلاف ما في سورة البقرة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} دخل فيه جميع أقسام المأمورات والاحتراز عن كل المنهيات، وتقرير الكلام أن كل ما تعلق أمر الله به، فإما أن يكون من باب الأفعال، وإما أن يكون من باب التروك.
أما القسم الأول: فإما أن يكون من باب أعمال القلوب وإما أن يكون من باب أفعال الجوارح، ورئيس أعمال القلوب الإيمان بالله والإسلام له، ورئيس أعمال الجوارح الصلاة، وأما الذي يكون من باب التروك فهو التقوى وهو عبارة عن الاتقاء عن كل ما لا ينبغي، والله سبحانه لما بين أولًا أن الهدى النافع هو هدى الله، أردف ذلك الكلام الكلي بذكر أشرف أقسامه على الترتيب وهو الإسلام الذي هو رئيس الطاعات الروحانية، والصلاة التي هي رئيسة الطاعات الجسمانية، والتقوى التي هي رئيسة لباب التروك والاحتراز عن كل ما لا ينبغي، ثم بين منافع هذه الأعمال فقال: {وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} يعني أن منافع هذه الأعمال إنما تظهر في يوم الحشر والبعث والقيامة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه}.
اللام لام كي، أي أمرنا كي نسلم وبأن أقيموا الصلاة؛ لأن حروف الإضافة يعطف بعضها على بعض.
قال الفَرّاء: المعنى أمرنا بأن نسلم؛ لأن العرب تقول: أمرتك لتذهب، وبأن تذهب بمعنًى.
قال النحاس: سمعت أبا الحسن بن كَيْسان يقول هي لام الخفض، واللامات كلها ثلاث: لامُ خفضٍ ولامُ أمرٍ ولامُ توكيد، لا يخرج شيء عنها.
والإسلام الإخلاص.
وإقامة الصلاة الإتيان بها والدّوام عليها.
ويجوز أن يكون {وأن أقيموا الصلاة} عطفًا على المعنى، أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا الصلاة؛ لأن معنى ائتنا أنِ ائتنا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأُمِرْنَا} عطف على {إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} داخل معه تحت القول، واللام في قوله سبحانه: {لِنُسْلِمَ} للتعليل ومفعول {أَمْرُنَا} الثاني محذوف أي أمرنا بالإخلاص لكي ننقاد ونستسلم {لِرَبّ العالمين}، وقيل: هي بمعنى الباء أي أمرنا بالإسلام.
وتعقبه أبو حيان بأنه غريب لا تعرفه النحاة، وقيل: زائدة أي أمرنا أن نسلم على حذف الباء، وقال الخليل وسيبويه ومن تابعهما: الفعل في هذا وفي نحو {يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] مؤول بالمصدر وهو مبتدأ واللام وما بعدها خبره أي أمرنا للإسلام، وهو نظير تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ولا يخفى بعده.
وذهب الكسائي والفراء إلى أن اللام حرف مصدري بمعنى أن بعد أردت وأمرت خاصة فكأنه قيل: وأمرنا أن نسلم، والتعرض لوصف ربوبيته تعالى للعالمين لتعليل الأمر وتأكيد وجوب الامتثال به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {وأمِرْنا لِنُسْلِم} عطف على المقول.
وهذا مقابل قوله: {قل إنِّي نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله} [الأنعام: 56]، وقوله: {قل أندعو من دون الله} الآية.
واللام في {لِنُسْلِم} أصلها للتعليل وتنوسي منها معنى التعليل فصارت لمجرّد التأكيد.
وهي اللام التي يكثر ورودها بعد مادّة الأمر ومادّة الإرادة.
وسمَّاها بعضهم لام أنْ بفتح الهمزة وسكون النون قال الزجَّاج: العرب تقول: أمَرْتُك بأنْ تفعل وأمرتُك أن تفعل وأمرتك لِتَفعل.
فالباء للإلصاق، وإذا حذفوها فهي مقدّرة مع (أنْ).
وأمَّا أمرتك لتفعل، فاللام للتعليل، فقد أخبر بالعلَّة التي لها وقَع الأمر.
يعني وأغنت العلَّة عن ذكر المعلّل.
وقيل: اللام بمعنى الباء، وقيل: زائدة، وعلى كلّ تقدير ف (أنْ) مضرة بعدها، أي لأجل أن نُسْلِمَ.
والمعنى: وأمرنا بالإسلام، أي أمرنا أن أسلموا.
وتقدّم الكلام على هذه اللام عند قوله تعالى: {يريد الله ليُبيّن لكم} في سورة [النساء: 26].
واللام في قوله: {لربّ العالمين} متعلِّقة بـ {نسلم} لأنَّه معنى تخلّص له، قال: {فقل أسلمت وجهي لله}.
وقد تقدّم القول في معنى الإسلام عند قوله تعالى: {إذ قال له ربّه أسْلِم قال أسلمت لربّ العالمين} في سورة [البقرة: 131].
وفي ذكر اسم الله تعالى بوصف الربوبية لجميع الخلق دون اسمه العَلَم إشارة إلى تعليل الأمر وأحقِّيّته. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)} أي كان الكفار يدعون المسلمين إلى الرجوع عن الدين والعوْد إلى الشِرْك، فقال لهم الله: قل لهم- يا محمد: أَنُؤْثِرُ الضلالَ على الهدى بعد طلوع شمس البرهان؟
ونَدَعُ الطريقة المُثْلى بعد ظهور البيان؟ ونترك عِقوةَ الجَنَّةِ وقد نزلناها؟ ونطلب الجحيم مثوًى بعد ما كُفِيناها؟ إنَّ هذا بعيدٌ من المعقول، محالٌ من الظنون.
وكيف يساعد أتباعُ الشيطانِ مَنْ وَجَدَ الخلاصَ من صحبتهم، وأبصر الغيَّ من صفتهم؟. اهـ.